في عمق الجنوب الشرقي، حيث تصارع الساكنة قساوة المناخ وندرة الإمكانيات، خرجت من “دوار زاوية سيد البغداد” بجماعة الروحا قيادة ترناتة – إقليم زاكورة، صرخة مواطن مكلوم، لم تكن صرخة ضد الفقر الذي ينهش يومياته، بل ضد “شطط” إداري تجاوز كل الخطوط الحمراء، وحوّل عملية تنفيذ قانون التعمير إلى ما يشبه “غزوة” انتُهكت فيها حرمة المسكن وضُربت فيها عرض الحائط أسمى وثيقة قانونية في البلاد.
ففي الوقت الذي كان ينتظر فيه التفاتة تضمد جراح الفيضانات والفقر، فوجئ صاحب منزل متضرر من الفيضانات، بتحول منزله الذي كان يُفترض أن يكون ملاذا آمنا لعائلة مكلومة، إلى كومة أتربة، بعدما عمدت معاول السلطة إلى هدمه، تاركة وراءها الركام والصدمة، وسط صمت يطرح أكثر من سؤال حول احترام حقوق المواطنين وحرمة المسكن وغياب البعد الإنساني في التعامل مع الحالات الهشة.
المعني بالأمر الذي يمتهن “حفر الآبار”، أكد في فيديو متداول عبر مواقع التواصل الإجتماعي، أنه تفاجأ بعد عودته من عمله، بإقدام السلطة على اقتحام مسكنه، عبر القفز فوق سور يفوق علوه أربعة أمتار، رغم وجود باب ظاهر، قبل الشروع في هدم منزل في طور البناء، بدعوى عدم توفره على رخصة، في مشهد يُشبه أساليب الاقتحامات الليلية أكثر مما يُشبه تدخلا إداريا منظما تحكمه القوانين والمساطر.
وقال المتحدث ذاته الذي كان يتحدث بمرارة، إنه اضطر إلى الاعتماد على إمكانياته البسيطة، من أجل بناء منزل يحميه وأسرته، بعدما بات منزله القديم مهددا بالانهيار بفعل الفيضانات، دون أن يستفيد من أي تعويض أو تدخل من الجهات المعنية، أي أنه لم يبن بدافع الترامي أو الاستقواء، بل بدافع الخوف على حياته وحياة أسرته.
الأخطر في هذه النازلة هو الاتهام المباشر الذي وجهه المعني بالأمر للسلطات المحلية بـ “الانتقائية”؛ حيث أكد أن المنطقة تشهد حركة بناء واسعة بدون رخص، لكن “المقص” لم يختر إلا جدرانه هو؛ والسبب، حسب قوله، هو “عدم أدائه لأي “إكراميات مادية” لأعوان السلطة، نظرا لحالته المادية المعدمة.
هذه الاتهامات، إذا صحت فإنها تضع مصداقية الإدارة الترابية بزاكورة على المحك؛ فأن يصبح القانون “سيفاً” يُسلط فقط على رقاب الضعفاء الذين لا يملكون ثمن “التغاضي”، بينما يتحول إلى “نعامة” أمام من يمتلكون المال والنفوذ؛ هي “كارثة حقيقية”.
ما وثقه شريط الفيديو المتداول لا يمكن وصفه إلا بـ “الانتكاسة الحقوقية”، فأن يقوم أعوان السلطة باقتحام ملك خاص عن طريق “القفز” فوق سور علوه أربعة أمتار، في غياب صاحب الملك، هو ضرب صريح في عمق الفصل 24 من الدستور المغربي الذي ينص على “أنه لا تنتهك حرمة المنزل. ولا يمكن القيام بأي تفتيش إلا وفق الشروط والإجراءات، التي ينص عليها القانون”.
متتبعون للشأن المحلي اعتبروا أن ما وقع لا يمكن اختزاله في “مخالفة تعميرية”، بل يطرح إشكالات قانونية ودستورية خطيرة؛ فحرمة المسكن مضمونة دستوريا، وأي ولوج إلى ملك خاص، سواء كان مكتملا أو في طور البناء، لا يتم إلا بإذن قانوني مكتوب، أو في حالات استثنائية واضحة كحالة الخطر الداهم أو التلبس، وهي شروط لا يبدو أنها متوفرة في هذه النازلة كما يوثقها الفيديو.
كما أن الدخول عن طريق القفز فوق سور عالٍ، في وجود باب ظاهر، يشكل خرقا سافرا للمساطر الإدارية، وتجاوزا لصلاحيات أعوان السلطة، ومسًّا مباشرا بكرامة المواطن وحقوقه الأساسية.
وحتى؛ بافتراض وجود مخالفة في مجال التعمير، فإن القانون واضح: لا هدم دون تبليغ مسبق، ولا تدخل دون تحرير محضر قانوني، ولا مساس بحق المواطن في الدفاع عن نفسه، والبحث عن حلول بديلة، خاصة في الوسط القروي حيث تختلط الهشاشة الاجتماعية بغياب البدائل السكنية، علما أن المعني بالأمر لم يبن بدافع التوسع أو الترامي بل كان أمام خطر حقيقي يتمثل في منزل قديم مهدد بالسقوط وهو ما يجعل الواقعة تدخل في إطار حماية النفس والعائلة وليس في خانة المخالفات العادية التي تعالج بالهدم الفوري.
وفي هذا السياق أكد متتبعون للشأن المحلي في زاكورة، أن هذه الواقعة تستوجب فتح تحقيق مع ربط المسؤولية بالمحاسبة؛ ليس انتصارا لشخص بعينه، بل حماية لحقوق المواطنين، وصونا لهيبة القانون، حتى لا يتحول تطبيقه إلى أداة انتقائية تُمارس على الضعفاء دون غيرهم.