فقيه الإقتصاد  والسياسة محمد الحبابي.. رحيل جمال التدريس


حرر بتاريخ | 06/22/2023 | من طرف ادريس الاندلسي

رحل منذ مدة  و هو الحاضر دائما في وسط طلبة السبعينات  و من أتى بعدهم.  لم يكن أستاذا بالمعنى الأكاديمي للكلمة  و لكنه كان رجل تعليم  و تربية  و تثقيف  و توعية للأجيال.

رحلت إلى  الرباط بصعوبة كبيرة و كان المشكل الأساسي إيجاد سكن.  لجأت مؤقتا إلى إبن عمي سي محمد الناجي صاحب الفكر المتقد  و المنتج لعدة من أجمل الكتب ذات الصلة بعلم التاريخ  و الاجتماع  و الإقتصاد.  كان حينها في السنة الأخيرة قبل الحصول على الإجازة.  رافقته إلى عدة ندوات  و خصوصا إلى ندوة نشطها المفكر الكبير سمير امين في معهد الحسن الثاني للزراعة  و البيطرة.  كان الحضور كبيرا بمن فيهم أحد آباء السيسيولوجيا القروية ” بول باسكون” . هذا الباحث ترك كثيرا من الأبحاث  و على رأسها ” حوز مراكش ” الذي لا زال مطلوبا  و معروضا بشكل غريب في آخر معرض للكتاب. و قبل آخر رحلة بحث له، ترك باسكون سيارته لسي محمد الناجي الذي أعاد المفاتيح إلى تلك المكلومة في أبنائها  و في زوجها.

كان من اللازم أن أذكر جزءا من تاريخ كان يحبه الأستاذ محمد الحبابي و صولاته في مدرجات كلية العلوم الإقتصادية و السياسية  و القانونية التابعة آنذاك لجامعة محمد الخامس. كان المكان بسيطا  و مرهبا لمن يلجه أول مرة.  كانت الكلية تحتوي على مدرجين  و قاعات لمن يتجاوزون بصعوبة السنة الثالثة المؤدية للحصول على الإجازة.  خلال فترة تدريس الأستاذ محمد الحبابي كان أغلب المدرسين من الفرنسيين  و خصوصا في علم الاجتماع السياسي  و القانون الدستوري  و القانون الإداري و المدني و الإقتصاد السياسي.  و تطورت أمور التأطير مع وصول أساتذة  مبرزين اثتنين هما محمد جلال السعيد و الخبير الدولي محمد بنونة الذي سيصبح فيما بعد عضوا في محكمة العدل الدولية.

و رغم تواصل وصول الأساتذة المغاربة لتأطير التدريس بالكلية، ظل الأستاذ الحبابي ذلك الرمز و ذلك المربي الذي كان يصر على ربط النظريات الإقتصادية بالسياسات المتبعة من طرف الحكومة.  لم يكن ذلك الذي يريد شحن عقول الطلبة باختيارات دون غيرها  و لكن ذلك الذي يحكي بأسلوب تربوي صعوبات بناء المؤسسات الإقتصادية.  كان ممتعا  و مستمتعا في التعامل مع الطلبة  و كثير  الإستماع إلى أفكارهم.  حاول تأسيس تدريس مادة التكنولوجيا الإقتصادية  و كان يهتم بكل أدوات الصناعة مع تقدير كبير لبراد الشاي.

في سنة 1977 حل بالكلية أستاذ كبير كان مستشارا للراحل الملك الحسن الثاني  و هو الشيوعي السابق  و مدير الديوان الملكي خلال فترة الاستثناء، إدريس السلاوي قادما من الأمم المتحدة.  اتذكر كم كان ” يتنرفز” حين نعارضه بأسئلة ذات طابع ايديولوجي حول الإصلاح الزراعي. و أتذكر أن طالبا التجا  إلى ذ الحبابي خوفا من تقدير سيء لتعامله مع موضوع سي إدريس السلاوي.  فكان جواب هذا الأخير أنه لن يظلم أي طالب أختلف مع قراءته لموضوع المادة التي درسها  و تخلى عن تعويضاتها لصالح المتفوقين من الطلبة في كافة المواد.
هكذا كان الدكتور  و المربي محمد الحبابي نموذجا للأستاذ الجامعي الذي نسج علاقات ثقة  و تواصل مع العديد من الأجيال التي تخرجت من كلية الحقوق باكدال.  كان موعد محاضراته باكدال  و بملحقة حي العكاري موعدا مع قراءة للتاريخ  الإقتصادي الراهن.  كان مديرا لديوان عبد الرحيم بو عبيد في حكومة عبد الله إبراهيم و ظل وفيا للمبدأ و خصوصا لرسالته التربوية. من درس في كلية الحقوق في السبعينيات لا يمكن أن ينسى الروح المرحة للمرحوم الحبابي صاحب الحديث الذي تفتح فيه الأقواس لكي لا تغلق. و الكثير لم أقله عن هذا الأستاذ المربي المتواضع  و الصبور و رفيق درب عبد الرحيم بوعبيد  في كل الامكنة بما فيها سجن لعلو  و معتقل ميسور.