تتجاوز أزمة المشردين المصابين باضطرابات نفسية وعقلية في المغرب كونها مجرد ظاهرة اجتماعية، لتصبح مؤشرا حقيقيا على الفجوات العميقة في البنية التحتية الصحية والاجتماعية وغياب التنسيق المؤسسي الفعّال. فبينما تُركز المملكة على تعزيز واجهتها الحضارية والاقتصادية استعدادا لاستضافة الأحداث الكبرى، يبقى مصير آلاف المشردين مُعلَّقا بين جهود موسمية وعجز هيكلي.
وكشفت إحصاءات رسمية صادرة عن وزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، خلال شهر نونبر الماضي، أن العدد الإجمالي للمشردين الذين تم إحصاؤهم خلال حملات شتاء 2024-2025 وصل إلى نحو 13 ألفا و150 شخصا على مستوى البلاد، بينهم 1780 شخصا يعانون اضطرابات نفسية وعقلية، استفادوا من خدمات الإيواء والتغذية والعلاج والمصاحبة النفسية، ما يبرز الحاجة الملحّة إلى تدخل مستمر ومتخصص يتجاوز الحملات الموسمية.
الوزارة نفسها تُقر بوجود “إكراهات بنيوية” تحول دون التكفل الشامل، أبرزها محدودية البنيات الاستشفائية المختصة وندرة أماكن الإيواء المناسبة. هذا الواقع يجعل علاج المشردين المرضى نفسيا وعقليا رهينا بتحقيق تكامل أكبر بين مختلف المتدخلين وتوسيع الخدمات الصحية والاجتماعية المتخصصة.
مدينة مراكش، أهم الوجهات السياحية في المملكة، تُعد مثالا صارخا على تفاقم الظاهرة، حيث تضاعف أعداد المشردين بها، خصوصا في ظل الضعف البنيوي في المؤسسات الاستشفائية المخصصة لهذه الفئة، وخاصة بعد إغلاق مستشفى “السعادة” للأمراض النفسية.
وعلى الرغم من المجهودات التي تقوم بها السلطات، بتمشيط الشوارع وإحالة المختلين عقليا على مستشفى ابن النفيس التابع للمركز الاستشفائي الجامعي محمد السادس، إلا أن هذه المجهودات غالبا ما تكون بلا جدوى، في ظل ضعف البنية الصحية المخصصة لهذه الفئة، ومحدودية طاقتها الاستيعابية. فإدارة المستشفى الوحيد بالمدينة الحمراء، تقوم في الكثير من الأحيان بإعادة تسريح المرضى إلى الشارع العام تحت ذريعة الاكتظاظ، وهو ما يضع وزارة الصحة والمديرية الجهوية أمام مسؤوليات واضحة.
وفي الوقت الذي تركز فيه وزارة الصحة والحماية الاجتماعية حاليا على تعزيز العرض الصحي من خلال إنشاء مراكز استشفائية جامعية ومستوصفات جديدة، تغيب المؤسسات المخصصة للأمراض العقلية عن خارطة الأولويات، وهو ما يطرح العديد من علامات الاستفهام حول أسباب هذا التجاهل لهذه الفئة الذي يمكن وصفه بـ”المتعمد”، سيما وأنها تحتاج أكثر من أي فئة أخرى لاهتمام ورعاية خاصة بالنظر إلى أوضاعها الصعبة.
وفي هذا السياق، أكد متتبعون أن إغفال العنصر البشري الأكثر هشاشة وتركه خارج الحسابات يضع نجاح السياسات التنموية الكبرى على المحك، كما يُلقي بظلاله على كل مجهودات السلطات الرامية إلى تطوير مدنها والارتقاء بها، معتبرين أن مقياس تقدم الأمم هو مدى عنايتها بأضعف حلقات مجتمعها، ومشددين على ضرورة وضع إطار قانوني واضح يضمن حماية هذه الفئة.
كما أشار المتتبعون إلى ضرورة أن تتحمل الجماعات المحلية دورا رئيسيا وأساسيا في معالجة الظاهرة، بدلا من أن تكون مجرد شريك صغير، نظرا لارتباط التشرد بالحيز المحلي والخدمات القريبة من المواطنين.

