تشهد مديريات جهوية للجمارك بكل من الدار البيضاء وطنجة وأكادير تحقيقات معمقة، على خلفية شبهات تلاعب واسع في التصاريح الجمركية وقيم السلع المستوردة، في قضية تسلط الضوء على شبكة معقدة تربط بين التجارة الدولية والقطاع البنكي وعمليات الاستيراد والتصدير.
وبحسب مصادر مطلعة، فإن عددا من شركات الاستيراد والتصدير لم تكتف بتزوير الوثائق لتقليص الرسوم الجمركية، بل لجأت أيضا إلى التلاعب في الفواتير، ففي بعض الحالات، يتم تضخيم قيم السلع لتبرير تحويلات مالية كبيرة إلى الخارج، بينما يتم في حالات أخرى تقليصها للتهرب من الضرائب والرسوم، كما رصدت محاولات لرفع قيمة فواتير سلع محلية قصد الاستفادة بشكل غير قانوني من الدعم العمومي المخصص للمنتوج الوطني، ما كبد خزينة الدولة خسائر بمليارات الدراهم.
ورغم اعتماد إدارة الجمارك على النظام المعلوماتي “بدر” وقاعدة بيانات القيم المرجعية للبضائع، إلا أن استغلال ثغرات تقنية وإدارية في نظامي “بدر” و“Portnet” أتاح للوسطاء وشركات التعشير التوسع في هذه الممارسات، وقد انعكس ذلك على ثراء مفاجئ لعدد من المتورطين الذين راكموا عقارات وسيارات فاخرة.
وأعادت القضية إلى الأذهان ملف “الفواتير الوهمية” الذي سبق لمحكمة جرائم الأموال بفاس أن نظرت فيه، وأسفر عن أحكام بلغت 17 سنة سجنا نافذا في حق متورطين، مع إلزامهم بأداء غرامات وتعويضات مالية ناهزت 62 مليار درهم، إضافة إلى إتلاف العقود والفواتير المزورة.
المعطيات المتوفرة تكشف أن هذه الشبكات تستند إلى شركات استيراد وتصدير، بعضها صوري، تتلاعب بالقيم الجمركية والفواتير البنكية بمساعدة وسطاء ومعشرين وسماسرة محليين، وأحيانا بتنسيق مباشر مع شركاء بالخارج، خاصة من الصين ودول آسيوية، ما يجعل الظاهرة ذات امتداد دولي وخطورة اقتصادية بالغة.
ويرى متتبعون أن حجم الخسائر المسجلة يفرض تدخلا عاجلا من مختلف المؤسسات المختصة، بدءا بالمديرية العامة للجمارك ورئاسة النيابة العامة، مرورا بالفرقة الوطنية للشرطة القضائية وأقسام جرائم الأموال، وصولا إلى المجلس الأعلى للحسابات، مؤكدين أن الأدلة باتت متوفرة وأن أي تأخير في مباشرة المساطر القضائية سيكون غير مبرر.