رغم ما تحققه مدينة مراكش من إشادة دولية مستمرة ونمو سياحي واقتصادي لافت، إلا أن الواقع شيء آخر، فالمواطن البسيط يطرح تساؤلات حارقة و جادة بشأن طبيعة هذا “النجاح” وحدوده، خاصة في ظل ما يعتبره بعض المراقبين اختلالات بنيوية في التخطيط العمراني وتفاوتات مجالية متزايدة.
ففي الوقت الذي تستقطب فيه المدينة ملايين الزوار سنوياً، وتشهد تدفقاً متواصلاً للاستثمار في القطاع الفندقي والسياحي، تشير معطيات ميدانية إلى بروز واقع حضري مقلق، تُثار حوله العديد من علامات الاستفهام.
ووفق مصادر مطلعة، فقد تم اعتماد ما لا يقل عن 25 وثيقة تخطيط عمراني في السنوات الأخيرة، بهدف تنظيم التوسع العمراني وتوجيه التنمية الحضرية، غير أن غياب التنسيق بينها، وفق ما يؤكده مختصون في التهيئة، جعل من هذه الوثائق أداة مجزأة لتدبير المجال، بدل أن تشكل قاعدة صلبة لتخطيط متكامل ومتوازن.
ويحذر متتبعون للشأن المحلي، من أن هذا الوضع قد يؤدي إلى تحوّل مراكش إلى نسيج عمراني مشتت وممتد على حساب الأراضي الزراعية، على غرار ما تشهده منطقة المحاميد التي أصبحت رمزاً لهذا الامتداد العشوائي.
ورغم اعتماد مخطط التهيئة العمرانية لمراكش في أفق 2040 (SDAU) باعتباره الوثيقة المرجعية لتوجيه النمو الحضري للمدينة، إلا أن تفعيل هذا المخطط مازال محدوداً، ويؤكد متابعون للشأن المحلي أن الوثيقة لم تحظَى بالنقاش العمومي الكافي، كما لا تتوفر حالياً آليات واضحة لتتبع تنفيذها أو تقييم أثرها على التنمية المجالية.
وتثير بعض الامتدادات الحضرية المصادق عليها، مثل مناطق الأنشطة اللوجستية أو مشاريع الفيلات بمحاذاة النخيل، جدلاً واسعاً بشأن مدى انسجامها مع مبادئ الترشيد العقاري وكثافة الاستعمال التي يفترض أن يكرّسها المخطط.
بالموازاة مع تسويق المدينة كوجهة سياحية عالمية، لا تزال أحياء عديدة، من قبيل سيدي يوسف بن علي والعزوزية والمسيرة 3، تواجه تحديات في الولوج إلى الخدمات الأساسية، من تعليم وصحة ونقل وثقافة.
ويشتكي السكان في هذه المناطق من استمرار ضعف البنية التحتية، وتفاوت التغطية بالخدمات العمومية، ما يعمّق الفوارق المجالية بين المركز والمناطق المحيطة.
ورغم إطلاق عدد من المشاريع الطموحة، مثل مبادرات “المدينة الذكية” و”مراكش الخضراء” و”مناطق الجذب السياحي المتكامل”، إلا أن أثرها على جودة الحياة اليومية للمواطنين لا يزال محدوداً، بحسب تقارير ميدانية.
فالمسارات المخصصة للدراجات، على سبيل المثال، تبقى ضعيفة، فيما يتركز تجديد الفضاءات العمومية في المناطق السياحية، مثل ساحة جامع الفنا وجليز والملاح، مقابل إهمال الساحات والأماكن العمومية بالأحياء الشعبية.
ويطرح غياب الشفافية في تدبير السياسات الحضرية تساؤلات حول مدى التزام الجهات المسؤولة بمبادئ الحكامة، خاصة في ظل غياب معطيات دقيقة حول توزيع الميزانيات المحلية وتوجهات الاستثمار العمومي.
ويحذر فاعلون من أن استمرار هذا الوضع قد يؤدي إلى تعميق التفاوتات الاجتماعية والمجالية، وتكريس نموذج عمراني غير منصف، قائم على منطق السوق العقارية بدل منطق العدالة المجالية والاستدامة.
في ظل هذا السياق، تتعالى الأصوات المطالبة بإعادة تفعيل مخطط SDAU 2040 كأداة حقيقية للنقاش العمومي، وتوفير آليات شفافة لتتبعه وتقييمه، فضلاً عن ضرورة توجيه الاستثمارات نحو الخدمات الأساسية، وتقليص التراخيص الاستثنائية التي تُمنح لمشاريع لا تنسجم مع الرؤية العامة للتنمية الحضرية.
رغم ما تحقق من إنجازات، يرى متتبعون للشأن المحلي أن التحدي الأساسي لمراكش اليوم لا يقتصر على تعزيز جاذبيتها السياحية، بل على إعادة بناء نموذج حضري يضمن العدالة في توزيع الموارد، ويحسن شروط العيش للجميع، بعيداً عن التجميل السطحي الذي قد يخفي اختلالات عميقة في بنية المدينة.