إن العمل السياسي النبيل يبخس لأنه ثمين، ولأنه عمل تنافسي، والنخب اليوم يتحملون بعضا من مسؤولية إعطاء الفرصة لمبخسي العمل السياسي، في حين يجب القطع مع كل من تسول له نفسه تبخيس مجهودات الساسة و تثمينها إذا دعت الضرورة لذلك، في المقابل على هؤلاء الفاعلين السياسيين احترام بعضهم البعض، و تقبل اختلافاتهم و مشاربهم الحزبية، فالخوف من التعددية و من التنافس الشريف لا ينتج لنا سوى المزيد من الانقسام و الانشطار و الضعف و التدهور، لهذا نحن اليوم بحاجة أكثر من الأمس لحكيم يتدخل لحلحلة هذه الأزمة السياسية التي عصفت بمدينة مراكش و خلفت شرخا كبيرا في جسد المشهد السياسي بالمدينة.
فالمتتبع للشأن المحلي بالمدينة سيرى أن منتخبي مراكش اليوم طغى عليهم الخطاب السياسي المائع الذي يقبل هذا التفسير و نقيضه، و اختلط لنا الحابل بالنبيل و أصبحنا نغوص في الحقائق و نبحث عنها والجميع يزكي نفسه، و نظل نحن كباحثين في السياسات العمومية و علاقتها بالاعلام تائهين وسط هذه التجاذبات و المشاحنات، في حين نوجه كلما سنحت الفرصة دعوتنا لهؤلاء الساسة لأجل تحسين خطاباتهم و التحلي بالقليل من الرزانة و الحكمة في التعامل مع كافة الأزمات التي يتخبط فيها المشهد السياسي بالمدينة الحمراء.
و المطلوب ليس من السياسيين فقط، بل من وسائل الاعلام بمدينة مراكش وكافة النشطاء إعادة صوغ الخطاب و هذا التجاذب بين الأطراف، وتوضيح مقاصد الجميع من أي مشكلة أو سوء فهم من خلال توضيح المصالح المتضاربة و البحث عن سبل جديد للحوار البناء و المسؤول حولها، وتقريب المختلفين بعضهم من البعض من خلال مساومات سياسية واضحة فمدينة مراكش هي في النهاية ما يتفق ابناءها حولها و حول مصلحتها الفضلى.
و نؤكد في مقالنا هذا أنه لكافة المسؤولين من جديد أنه لا يمكن أن يتحقق أي مشروع سياسي أو مجتمعي، إلا عبر البناء المتين، والارتباط بالانشغالات البسيطة واليومية للناس و فئة النساء و الشباب بصفة خاصة، و لابد من التحلي بالواقعية في العمل و إعطاء الوعود القابلة للتنفيذ، وتكريس ثقافة الاعتراف بالأخطاء والانزلاقات والتعود على النقد الذاتي، والانفتاح على تيارات الرأي داخل المجتمع، فتبخيس المبادرات الفكرية المنتجة واحتقارها، لا يمكن أن يصوغ مشاريع وبرامج تجيب عن سؤال السياسة، والمسألة الاجتماعية والاقتصادية، ومعضلة التشغيل، والصحة والتربية، وحرية الإعلام والعدالة والمساواة، والحكامة الإدارية واستحقاق التحول الديمقراطي الذي نطمح إليه جميعا.
لهذا فالأوضاع التي آلت و ستؤول إليه مدينة مراكش تساءل كل القوى الحية و الفعاليات السياسية و المدنية من أجل بناء مدينة النخيل بروح مواطنة مسؤولة و برؤية استراتيجية واضحة.
زكرياء البشيكري
باحث في الإعلام و السياسات العمومية
البشيكري : كيف يؤثر الصراع السياسي بمراكش على صنع السياسات العمومية؟
حرر بتاريخ | 08/30/2023 | من طرف كشـ24