الاندلسي يكتب.. كم أنتم كرماء يا مغاربة


حرر بتاريخ | 09/12/2023 | من طرف ادريس الاندلسي

دم يغلي في جسد كل مغربي، يريد أن يخرج من عروق مغربي و حتى من عروق زائر أجنبي لكي يبعث الحياة في جسم جريح من جراء الزلزال. طوابير طويلة جدا و تصل مدة الإنتظار لإعطاء الدم إلى أكثر من ثمان ساعات. و هذا عنوان كرم متجدر و تضامن أسطوري. جمعيات و أسر و مواطنين من كافة الطبقات الإجتماعية و من كافة الجهات واجهوا الزلزال بالتضامن. تحركت كل الطاقات داخل المغرب و خارجة و تجمعت لديها اطنان من المواد الغذائية و التجهيزات و الأدوية. تحركت قوافل في إتجاه مراكش تحمل أمل المغاربة و كثير من أصدقاء المغرب و المغاربة لمن أراد القدر أن يكون من ضمن المنكوبين. إنها مظاهر الكرم و التضامن الأسطوري.

شباب يتخلون عن أعز ما لديهم من لباس و يبعثون به لمقر الجمعيات. نساء و رجال يبعثون بما لديهم لكي يعيش التضامن و يبعث الحياة من جديد في منطقة حولها الزلزال إلى أطلال و سيحولها الكرم و التضامن إلى مستقر آمن لكي تستمر الحياة و تعود الأسر إلى حياة جديدة ،و لو بعد جحيم، و تستمر في إعطاء منتوج للعيش ما دام العيش ممكنا و إلى الأبد…

نعم أنتم تحملون قيم الكرم و التضامن لأنها تسكنكم في علاقاتكم الأسرية. و لذلك تظل أكبر مؤسسة للتغطية الإجتماعية و خصوصا للتغطية الصحية هي الأسرة في شكلها الكبير الذي يضم العم و الخال و الجار و أولادهم. هذه المؤسسة الإجتماعية الطبيعية لديها كنوز من الوسائل التي تتحرك كل دقيقة و ساعة و يوم. إنها مؤسسة تتجاوز في رأسمالها كل البنوك و مؤسسات التأمين و كل الشركات الكبرى. الأسرة في مفهومها الواسع تغطي أكثر من 60% من مصاريف الصحة ببلادنا. الأسرة الكبيرة تغطي كثيرا من مصاريف اعضاءها غير القادرين على مواجهة أعباء الحياة. و لهذا لا يمكن أن نطلب من المغربية و المغربية أن ينتمي إلى ثقافة تقدس العزلة الأسرية في حجمها الضيق. لا تنجح أي زيجة و لن تنجح إذا حاول أحد أطرافها عزل الآخر عن محيطه الأسري الكبير. التضامن مقدس و الكرم سلوك عادي إتجاه الأخ و إبن الخال و الخالة و إبن العم و العمة و من يخالف هذا المقدس يعيش في عزلة.

و لكن… نعم و لكن .هناك الاستثناءات التي أصبحت تحتل مكانا في مجتمعنا. بعض المغاربة يريدون تقليد الغرب في تفريخ أدوات الإبتعاد عن الأسرة الكبيرة. بعض المغاربة أصبحوا يفضلون الانعزال عن وسطهم و همهم الوحيد العيش وفق تقاليد أخرى يكتشفون أنها زاءفة حين يعيشون مرحلة شدة و مرض و هشاشة. نعم تزلزلنا المصاءب فنقف وقفة رجل واحد و تصبح التعبئة أولوية، و لكن المغرب يحتاج إلى تعبئة يومية. كلنا ننتقد الواقع و كلنا نتكلم بصوت واحد عن عمق و ضخامة التفاوتات المجالية و الإجتماعية منذ سنين. الحل بين أيدينا. نلوم كل المؤسسات و نحن من وضعنا على رأسها من لا يعطي للأمانة و المسؤولية أي وزن. الكرم و التضامن ثقافة و يجب أن يمتزج بالوعي السياسي و ليس الحزبي.

الكرم و التضامن في المغرب يمكن أن يصنع المعجزات. بالأمس قررنا أن نبني طريقا للمياه من حوض سبو إلى حوض أبي رقراق فنجحنا بفضل الإرادة و الثقة في الطاقات المغربية. و اليوم لدينا ثقة أكبر لكي نعيد بناء ما هدمه الزلزال. المغربي و المغرب سيد قراره. نعم انفتحنا على من كانوا من كانوا منفتحين لمرافقتنا في مواجهة آثار الزلزال، و لكن المغربي، ككثير من المنتمين إلى بلدان أخرى، يقدر المواقف و يحللها بموضوعية و يبتعد عن تسييس التدخلات غير البريئة. لكل ما سبق، يجب التذكير بأن ما نسميه ” بالقرار السيادي” يوجب الكثير من الإحترام من طرف من لا زالوا يعتبرون أنهم الوحيدون الذين لديهم علم تدبير الكوارث الطبيعية. سلطات فرنسا أو لنقل بعضها يعيشون على إيقاع ماض بمكونات ماضوية و حرص كبير على تأمين مكاسب تعود إلى الفترة الإستعمارية. و لنا جزء من المسؤولية في هذا الوضع. هناك أبناء أسر مغربية يعيشون على مبدأ خدمة ” ماما فرنسا ” و يحاولون استصغار جهود مواطنيهم. كرم ” الماما ” لن يصل إلى كرم المغاربة و تضامنهم الأسطوري.

يا من أحب… يا من أحب لأنهم مغاربة يحبون وطنهم و هم كثر. يا من خلقوا الفرحة في قلوب مواطنيهم و تحولوا من رب و ربة أسرة إلى فاعلين جمعويين و صناع لثقافة مغربية راهن بعض الغرباء على موتها. نحبكم و نتمنى أن تستمروا في هذا العمل الحضاري الكبير و على صعيد الوطن و أن تنخرطوا في قلب المعطيات المتعلقة بالتفاوتات المجالية و الإجتماعية. نريد أن لا تنتهي هذه الأزمة دون أن تكون ثقافة الكرم و التضامن قد أصبحت سياسة عمومية يحملها المواطنون و الدولة. في يومنا، أشعر بفخر كبير و أنا أتابع ذلك الكرم و ذلك التضامن المغربي لمواجهة كل الكوارث الطبيعية. و لكن الشكر و العرفان واجب حين يحضر كل أصدقاء المغرب بقوة و بدون شروط و بناء على برمجة تحترم الأولويات. سنخرج من هذا الإمتحان بكثير من القوة و الوعي بضرورة إعادة النظر في تدبير المجال الترابي و قوانينه. أحب الديمقراطية و أكره من يمتهنونها لصالحهم و يغتنون لأنهم يمتلكون سلطة القرار. هناك مناطق في بلادنا يحكمها اميون و يجب أن يتم تدبيرها من طرف مؤسسات الدولة مع رقابة صارمة. و هناك مناطق أخرى لديها القدرات التدبيرية و الموارد البشرية التي يمكن أن تتم مصاحبتها بشكل مسؤول و شفاف. و خلف هذا المشهد المؤسساتي، يوجد مجتمع حي و فاعل يتجاوز المؤسسات ” المنتخبة” و لكنه لا يريد أن يتواجه مع كتائب انتخابوية تتقن صناعة العنف. دمتم كرماء و متضامنون أيها المغاربة و لتنهزم أمامكم جحافل إفساد التدبير العام بالمملكة المغربية.