عبد الرزاق بوغنبور.. يكتب من غزة إلى السودان: لماذا نميز بين دم ودم؟


حرر بتاريخ | 07/13/2025 | من طرف كشـ24

أمام كثرة المآسي التي يشهدها العالم العربي والإسلامي، والأنين القادم من بقاع مختلفة، من هذه المناطق ، يتساءل كثيرون بمرارة:

لماذا نحزن ونغضب ونثور حين يُقتل طفل في غزة، ونصمت حين تُباد مدينة بأكملها في السودان؟

أليس الدم هو الدم، والموت هو الموت؟ أم أن للضحايا درجات تُمنح وتُسحب وفقًا لجغرافيا الألم أو لون البشرة أو خطاب السياسة؟

مشاهد متكررة، وردود متباينة
منذ أكتوبر 2023، والعالم يتابع ويراقب ما يحدث في غزة: قصف، مجازر، مستشفيات تدميركلي للبنيات التحتية وللانسان ، وأطفال يُنتشلون من تحت الركام. كل ذلك يوثَّق بالصوت والصورة، ويتحول إلى مادة إعلامية مشحونة بالمواقف والانقسامات.

وفي السودان، ومنذ أبريل 2023، يموت الناس جوعًا ونارًا ونزوحًا، ولا أحد يكترث بالقدر نفسه، لا على الشاشات ولا في الشوارع ولا في المجالس الدولية.
الفرق صارخ، لا في حجم المأساة، بل في حجم التفاعل. وكأن هناك موتًا يُعدّ “جديرًا بالاهتمام”، وآخر “مألوفًا” حدّ التجاهل.

صراع الرمزية والسياسة
الحرب في غزة تُرى على نطاق واسع كصراع تحرري ضد احتلال أو استيطان كلي، بينما يُقدَّم ما يجري في السودان كحرب أهلية داخلية، بلا ضوء أخلاقي واضح.
في غزة، هناك عدو خارجي، واضح الهوية، يحتل الأرض ويقصف الناس، وفي ذلك من بساطة السرد ما يُغري بالإدانة أو الدعم.
أما في السودان، فالقتلة من “أبناء الوطن” بدعم من جهات خارجية ، والصراع يبدو بلا قضية جامعة، فيُختزل في توصيفات باردة: ميليشيات، قبائل، صراع على السلطة.
ومع هذا التبسيط، يفقد الدم السوداني رمزيته في المخيال العالمي، ويُعامل كخبر ثانوي أو حالة إنسانية لا أكثر.

الإعلام حين يختار ضحاياه
تلعب التغطية الإعلامية دورًا حاسمًا في تشكيل الوعي الجمعي. غزة حاضرة في العناوين، في البث المباشر، في وسائل التواصل، في الأغاني والجداريات. أما السودان، فغائب أو مغيّب، يُختصر في تقارير المنظمات الإنسانية أو لقطات بلا تعليق.
هذا الانحياز لا يعكس حجم المأساة، بل حجم التأطير الإعلامي والسياسي لها. هناك موت “درامي” يثير العاطفة، وموت “مملّ” يُقدم كروتين يومي في إفريقيا المنسية.

هل نحن أيضًا نمارس الانتقائية؟

ربما نلوم الإعلام والسياسة، لكن ألا يستحق الأمر وقفة داخلية؟

كم مرة تضامنّا من أعماق القلب مع شهداء غزة، وتجاهلنا مجازر دارفور أو الخرطوم؟

هل نحن أيضًا أسرى رمزية القضية الفلسطينية، التي صنعت وعينا وهزّت مشاعرنا منذ الطفولة؟ أم أن السودان لم يكن يومًا جزءًا من خيالنا الجماعي كقضية تستحق الانخراط؟
ه
ل هو القرب الجغرافي؟ أم التشابه الثقافي؟ أم مجرّد العادة التي طبعت وعينا بتصنيف المآسي إلى “أكثر تأثيرًا” و”أقل أهمية”؟

عنصرية بلا وعي
قد لا نحب الاعتراف بذلك، لكن هناك بعدًا عنصريًا خفيًا في تعامل العالم – بل حتى بعض العرب – مع ما يحدث في السودان.
الموت في إفريقيا يُعامل كأنه قدَر لا يستحق الاستغراب، وكأن الأفارقة صُمموا ليعيشوا في الجحيم.
إنه نوع من التمييز الصامت الذي لا يعلنه أحد، لكنه حاضر في ترتيب الأولويات، في حساسية الضمير، وفي توزيع الحزن والتضامن.

نحو وعي عابر للخرائط
الفرق بين من يُقتلون في غزة ومن يُقتلون في السودان، ليس فرقًا في حجم الألم، بل في السياق الذي يروى فيه الألم.

نحتاج إلى وعي جديد لا يحتكم فقط إلى الرموز أو الهويات، بل إلى مبدأ بسيط:

الإنسان إنسان، والموت قهر، والسكوت على الظلم خيانة، أيًّا كانت خريطة الدم.

ولعل البداية تكون بأن نُعيد ترتيب بوصلتنا الأخلاقية، فنرفض الصمت، ونقف مع كل مظلوم، دون أن ننتظر الضوء الأخضر من الإعلام أو الحكومات أو “الترند”.

بقلم: عبد الرزاق بوغنبور